لكم هو مبهج منظر القراء صفا صفا في تزاحم لاقتناء كتاب ولقاء كاتب، لا يحدث هذا إلا في بلد تحفه ملائكة القراءة، وإلا مع كاتب سطع نجمه حتى كسب القلوب قبل كسب جائزة نوبل للأدب أو يكاد، لكن لا يمكن أن تقوم كل القيامة مع كاتب لا يعرفه سوى المتقاتلون في الطابور لأجل لمسه والظفر بسيلفي معه ينشر على مواقع (التواكل الاجتماعي)، يروي العم غوغل أن اسم هذا الكاتب هو أسامة مسلم، وهو سعودي الجنسية، اشتغل على الترويج لأعماله حتى منحها زخما يفوق مضامينها في زمن بات فيه كل شيء قابل للنفخ فيه من أعضاء الجسد إلى أعمال الفن والأدب ... ومن شدة هول سحر الدعاية تهرول الحكومة في شخص وزير الثقافة لتغتنم الفرصة و(السياسة فرص) -كما يقال-، ويستقبل الوزير الكاتب المتزاحَم عليه، ليستظل بظله ويستمد بعضا من نجوميته يصقل بها الوزير صدأ سياسية وزارته العوجاء التي أفرزت مثل هذه الإفرازات الثقافية، ويعده بجولة توقيع رواياته في ربوع المملكة لملاقاة (ليفان) وليس القراء.

ما إن هدأت عاصفة رواية أسامة مسلم هذا، وظنناها نسيا منسيا، حتى طلع علينا ذات وزير الثقافة يحضن رجلا ليس كبقية الرجال، مواطن مصري توأم الفضيحة وعاشق الإباحة، ما هو بالمطرب ولا بالمغني ولا بالأديب ولا بالفنان ولا برجل المسرح ولا بسيد الشاشة، رجل اسمه محمد رمضان، لا يمارس ما يمارسه إلا متعريا من ملابسه، كاشفا عن وشمه وعضلاته، هاتفا بكلام ساقط خادش للحياء، بصوت غريب عن الأصوات المطربة، رجل حقق شهرة بانحرافاته وجنوحه، رجل كل مرة تعاتبه نقابة الفنانين المصريين كما تعاتب الأم طفلها الشقي.

عندما تتسلل مثل هذه الظواهر لمعرض الكتاب، تكون أول حالة تشقق على جداره، ويشرع الباب للتطبيع مع البوز وجعله يسود ويحكم في مجال تتعارك فيه الأفكار والإبداع بعيدا عن كل ضجيج وزحمة، فقد عهدنا هذه المشاهد بمداخل ملاعب كرة القدم، أو لحضور حفل غنائي صاخب، أما الكتاب فهو معبد آمن هادئ لا يدخله إلا المطهرون من هوس نسبة المشاهدة، وبدعة عدد الإعجابات، وجشع الدعاية المغرضة التي جعلت المرء يعرض جسمه تسولا وطمعا، يزداد الوضع سوءا حين ترحب الحكومة بهذه الممارسات وتزكيها، وترحب بها وتحضنها وتلقتط مع أهلها صورا تأريخا للفضيحة والدسيسة.

نظمت جمعية ملتقى العلوم والمجتمع، اليوم الأربعاء، بقاعة محمد المنوني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مائدة مستديرة في موضوع الدراسات والبحوث البينية في الجامعة المغربية: المنطلقات المعرفية والتقاطعات الموضوعية والمنهجية، وذلك بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وتكوين الدكتوراه الفكر الإسلامي المعاصر وقضايا التربية والبيئة في العالم المتوسطي.

ويأتي تنظيم هذه الندوة في سياق اتسم وطنيا ببروز إشكالية تجزيء المعرفة في ظل تعدد التخصصات وسبل تكاملها؛ إذ شهدت الجامعة المغربية منذ ثمانينيات القرن الماضي نزوعا مطردا نحو تفریع عدد كبير من التخصصات العلمية في شتى العلوم والمعارف. ومع ما حققه هذا الاختيار من نتائج إيجابية، إلا أن استقلالية كل تخصص أدى إلى نوع من الانكفاء والانعزال مما استشعر معه عدد من الجامعيين خطورة هذه المعرفة المجزأة، والتي تفتقد إلى روابط تربطها بالرهانات التنموية لبلادنا وبخصوصياتنا الحضارية ومشكلاتنا المجتمعية.
في السياق العربي الإسلامي تعد الدراسات والبحوث البينية من أحدث الاتجاهات التي عرفها المجتمع الأكاديمي المعاصر، بالرغم من أصالة هذه الممارسة التكوينية والبحثية في مصادر وتراث الأمة العربية والإسلامية، ولدى علماء كبار كالغزالي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم.

وفي السياق الغربي وبالرغم من أن فكرة التكامل المعرفي تضرب بجذورها في فكر كثير من الفلاسفة والمفكرين الغربيين أمثال (فریدیریش هیکل وهربرت سبنسر) و(إميل دوركايم)، إلا أن البينية لم يتم الإلحاح عليها في كثير من الجامعات الغربية إلا في تسعينيات القرن الماضي؛ حيث توالى صدور عدة دراسات علمية، تؤكد أن الإدراك الآلي التخصصي الضيق للواقع قد أثبت أنه غير كاف للتصدي للمشكلات والقضايا المعقدة والمترابطة والمتسلسلة في عصرنا الحالي. كما عقدت كثير من الندوات والمؤتمرات حول قضايا البيئة والسكان والاقتصاد والمجتمع، أكدت أن المعضلات التي تواجه المجتمع الإنساني في القرن الحادي والعشرين تتطلب منهجا تفاعليا في البحث والتعليم والتفكير، لكي تحقق نتائج إيجابية ومقبولة في ظل هذا السياق التاريخي والعلمي، وفي ظل تجدد النقاش المجتمعي حول قضايا التربية والتعليم بعد صدور الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2030/2015، وتوالي الإصلاحات التي همت مختلف أسلاك التعليم الجامعي؛ وتأسيسا على الرؤية التوحيدية التي تؤمن بوحدة المعرفة وبجدوى تكامل العلوم والمعارف ولأجل الاستجابة للحاجات العلمية والأكاديمية التي يتطلبها التحول نحو مجتمع المعرفة، تأتي هذه المائدة المستديرة التي تجمع أساتذة باحثين وخبراء ينتمون إلى حقول معرفية وتخصصات مختلفة، لغاية إعادة اكتشاف مناطق تقاطع هذه التخصصات بعد دراسة واقع وآفاق التكامل بينها ولأجل جعل الدراسات والبحوث البينية مدخلا لإصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا من خلال إعادة النظر في البنية التنظيمية للتكوينات الأكاديمية وبنيات البحث بهدف تعزيز البينية في البرامج التعليمية الجامعية ومشاريع البحث العلمي، بعد أن أصبح وجود التكوينات والبحوث البينية إلى جانب التكوينات وبنيات البحث المتخصصة ضرورة تنموية ومطلبا حضاريا.